Senin, 14 September 2009

ISLAM POLITIK

الإسلام السياسي في منحاه السلمي

السبت, 12 سبتمبر 2009


محمد زاهد جول *

يفرض «الاسلام السياسي» نفسه في كل أنحاء العالم الاسلامي وخارجه، وهذه ظاهرة غير قابلة للزوال لأنها، من وجهة نظر اسلامية، تستند الى كتاب فيه آيات لا تقبل إلا التفسير السياسي، سواء كانت في آيات الشورى الاستشارية أو الملزمة للحاكم المسلم، والتي يفسرها البعض بوجوب المشاركة السياسية في الحكم، أو كانت في آيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي توجب إما الوجود في السلطة السياسية الحاكمة أو في المعارضة ومناصحة الحاكم ولو بالكلمة الطيبة. فإذا ما نظر البعض الى آيات الجهود ومقاتلة المعتدين وتطبيق الشريعة، فإنهم يفسرونها بوجوب الجهاد في سبيل الله وتحمل أعلى درجات المسؤولية في العمل السياسي، مهما كانت العواقب والنتائج، ومهما حاول الاجتهاد الآخر الرسمي أو غيره تفسير هذه الآيات التي تعالج جوانب سياسية من حياة الانسان والمجتمع والدولة، فإنه لا يستطيع الغاء التفسير السياسي لها، بل قد يدخل في دوامة الاختلاف الفكري والاختلاف العقدي (التكفير) معهم، ولذا فإن أصحاب التفسير الديني اللاسياسي يخطئون إذ يحصرون معرفتهم على نفي التفسير السياسي لهذه الآيات فقط، أو ذم أصحاب التفسير السياسي فقط، فإنهم بذلك لا يحلون المشكلة أولاً، وقد يفقدون ثقة الناس بهم ثانياً، فلا يتبقى لهم إلا رواتبهم الرسمية ومناصبهم الادارية ومواقعهم التلفزيونية، من دون أن يجدوا آذاناً صاغية من أصحاب التفسير السياسي ولا من جماهير المسلمين.

إن الخطاب الذي ينبغي العمل عليه في التعامل مع ظاهرة الاسلام السياسي هو التفريق بين متطلبات مواجهة الاسلام السياسي القادمة من الخارج، ومتطلبات مواجهة الاسلام السياسي القادمة من الداخل، أما السياسات الخارجية في مواجهة الاسلام السياسي فهي بين سياستين، إحداهما سياسة الاستقطاب وصناعة أمراء الحرب والأصدقاء الموقتين، الذين تختارهم التدخلات الخارجية لتنفيذ مخططاتها وتحقيق مصالحها، والثانية سياسة الاستبعاد وصناعة الأعداء الأبطال. وأفغانستان من أكثر الدول التي تنطبق عليها هذه السياسات الخارجية، فأميركا صنعت رؤساء الحرب وأمراءها وابطال الاستبعاد صنعتهم ادارة الإعلام العالمية، وجعلتهم أكبر من امكاناتهم الحقيقية، من طريق أشرطة الفيديو وغيرها، سواء كانوا من داخل حركة طالبان أو من حلفائها أو من خارجها، وعلى كل الأحوال فإن معالجة أخطاء السياسيات الخارجية في مواجهة الإسلام السياسي غير مقصودة في هذه القراءة، سواء كانت أخطاء الاستقطاب أو أخطاء الاستبعاد، لعدم توافر امكانات معالجاتها، وعدم القدرة الفعلية على ذلك.

وأما أخطاء المعالجات الداخلية فهي ما ينبغي على المفكرين المسلمين والمثقفين التصدر له، سواء كانوا من التيار الإصلاحي أو المحافظ، أو كانوا من دعاة الإسلام السياسي أو المتهمين به، وسواء كانوا ممن يلعبون في ساحات السلطة أو ساحة المعارضة، المرخصة أو غيرها، فجميعهم شركاء في هذا الصراع. شركاء في تكاليفه وشركاء في خسائره وشركاء في تحمل المسؤولية الدنيوية والأخروية. هذا الصراع حول الاسلام السياسي ينبغي ترشيده داخلياً على الأقل. وأولى خطوات ترشيده عزله ما أمكن عن مخططات معالجته الخارجية، فالتدخلات الخارجية لا تخسر شيئاً من الحروب الأهلية بين المسلمين، بل كانت تجعل من الحروب الأهلية والفوضى الخلاقة احدى خططها في السيطرة والهيمنة.

الخطوة الثانية، هي وقف استعمال القوة العسكرية من كل الأطراف، باستثناء العقوبات القانونية على الجرائم وانتهاك الحرمات والأعراض، التي تحمي بها الحكومة مواطنيها من أي اعتداء مدني، أما خلافات الاسلام السياسي فينبغي عدم اخضاعها لمعادلات القوة العسكرية، بل يجب انتهاج كل السبل الممكنة لمنع الاقتتال بين المسلمين، طالما أن القضية هي في علاقة الاسلام بالسياسة والحكم ومقاومة الأعداء والمحتلين، فسواء وافقت الدول حركات الاسلام السياسي رؤيتها في هذه القضايا أم لم توافقها، فإنها غير مضطرة للدخول معها في حروب أهلية وإلا وقعت في تهمة تنفيذ أجندة خارجية فقط. وكذلك الأمر بالنسبة الى حركات الاسلام السياسي، فإنها بقدر ما تستخدم القوة العسكرية ضد المسلمين فإنها تخسر قضيتها أمامهم، فدرء المفاسد مقدم على جلب المنافع، وإذا كان تغييرهم للمنكر بما هو أنكر منه، فإن تغييرهم للمنكر حرام شرعاً، وسبب لسخط الله تعالى قبل أن يكون سبباً لمرضاته.

إن رفع أي شعار اسلامي لا يخول صاحبه أن يحمل السلاح علىالمسلمين، ولا يمنحه الحق في مقاضاتهم بحكم رؤيته واجتهاده، وإذا استباح استعمال القوة العسكرية مع من يخالفه في فكره واجتهاده، فإنه سيجد من يستبيح استعمال القوة العسكرية بسبب الاختلاف معه فكرياً واجتهادياً، وهو فوق ذلك أمام مسؤولية دنيوية وأخروية أن يسقط اسمه ويسقط أجره، بسبب جريمته ضد اخوانه.
وإذا كان الاسلام السياسي مخطئاً في اباحة استعمال القوة العسكرية ضد من لا يتحركون داخل الاسلام السياسي اليوم، فإنه سوف يكون غداً أكثر اباحة وخطأ وجرماً باستعمال القوة العسكرية والقتل في صراعات قاتلة ومهلكة بين أقطاب الاسلام السياسي نفسه. وما افغانستان والصومال وفلسطين إلا أدلة على ذلك. وما وقع في غزة مؤخراً بين بعض أطرف الاسلام السياسي يستدعي رفضاً واستهجاناً، فلا ينبغي حسم الخلافات بين حركات الاسلام السياسي الا سلمياً، وبالأخص على أرض المعركة مع العدو المشترك، ومهما تكن الأسباب فإن من الكبائر أن يواجه المسلم أخاه إما قاتلاً أو مقتولاً، ومن يتمسك بالسلطة بحجة الديموقراطية والشرعية، أحرى به أن يتحمل قلة من المسلمين لا يوافقونه في اجتهاده ولا في ادارته للحكومة. وليكن الشعب نفسه حكماً في اختيار الحركة التي ينتمي اليها ويرجحها على غيرها من طريق الانتخابات، سواء في مشروع الجهاد أو في مقاومة المحتل أو في ادارة الحكومات القادمة.

إن حركات الاسلام السياسي أمام تحدي التفريق بين مواجهة التدخلات الخارجية ومواجهة المختلفين معها من القوى الداخلية، التي تشاركها الأرض والوطن والدين واللغة والأهداف. أي أن التحدي ليس عسكرياً فقط، وإنما هو تحد سلمي ومدني أكثر من غيره، بداية في قاموس الاختلاف الفكري ومفرداته اللغوية والدينية والسياسية، فلا يمكن المساواة بين الغرباء والأشقاء، ولا يمكن المساواة بين الجيوش الغازية والأجنبية مع الجيوش المحلية والوطنية، فالغريب والأجنبي يستطيع استخدام قاموس العدوان واختلاف الدين واللغة والأهداف معه، بينما لا يمكن استعمال كلمات القاموس ذاته مع الحكومات المحلية وابناء الوطن الواحد والدين الواحد واللغة الواحدة والأهداف الواحدة. والعمل العسكري أحد سبل التعامل مع الاحتلال الأجنبي الخارجي، بينما لا يمكن أن يكون سبيلاً، في التعامل مع أبناء الوطن الواحد والحكومات الوطنية. فيحرم التوجه منها واليها بالعدوان المعنوي والمادي معاً، وقاعدة التعامل هي اقناع الجماهير بالاجتهادات الأفضل، والقادرة على ازدهار الوطن أكثر من غيرها، فالمعركة الداخلية ليست معركة التكفير ولا التخوين ولا التجريم، وإنما كسب الجماهير بالفكر والقناعة والارادة الحرة، ان الاسلام السياسي أمام تحدي العمل السلمي المدني، وكسب المشاركين له في الرؤى والمناهج والحلول المقنعة، وإلا فإنه أمام اهلاك الحرث والنسل والخسران المبين.

* كاتب تركي

Tidak ada komentar: